فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر فَقالواْ أَبَشَرًا مّنَّا واحدا} انتصب {بَشَرًا} بفعل يفسره {نَّتَّبِعُهُ} تقديره أنتبع بشرًا منا واحدًا {إِنَّا إِذًا لَّفِى ضلال وَسُعُرٍ} كأن يقول إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق.
وسعر ونيران جمع سعير فعكسوا عليه فقالوا: إن اتبعناك كنا إذا كما تقول.
وقيل: الضلال الخطأ والبعد عن الصواب، والسعر الجنون، وقولهم {أَبَشَرًا} إنكار لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية وطلبوا أن يكون من الملائكة وقالوا منا، لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى، وقالوا {واحدا} إنكارًا لأن تتبع الأمة رجلًا واحدًا، أو أرادوا واحدًا من أفنائهم ليس من أشرفهم وأفضلهم، ويدل عليه قوله: {أَءلْقِىَ الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} أي أأنزل عليه الوحي من بيننا وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوة {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} بطر متكبر حمله بطره وطلبه التعظم علينا على ادعاء ذلك {سَيَعْلَمُونَ غَدًا} عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة {مَّنِ الكذاب الأشر} أصالح أم من كذبه.
{ستعلمون}: شامي وحمزة على حكاية ما قال لهم صالح مجيبًا لهم أو هو كلام الله على سبيل الالتفات {إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة} باعثوها ومخرجوها من الهضبة كما سألوا {فِتْنَةً لَّهُمْ} امتحانًا لهم وابتلاء وهو مفعول له أو حال {فارتقبهم} فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون {واصطبر} على أذاهم ولا تعجل حتى يأتيك أمري {وَنَبّئْهُمْ أَنَّ الماء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} مقسوم بينهم لها شرب يوم ولهم شرب يوم وقال: {بَيْنَهُمْ} تغليبًا للعقلاء {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} محضور يحضر القوم الشرب يومًا وتحضر الناقة يومًا {فَنَادَوْاْ صاحبهم} قدار بن سالف أحيمر ثمود {فتعاطى} فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث له {فَعَقَرَ} الناقة أو فتعاطى الناقة فعقرها أو فتعاطى السيف.
وإنما قال: {فَعَقَرُواْ الناقة} [الأعراف: 77] في آية أخرى لرضاهم به أو لأنه عقر بمعونتهم {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ} في اليوم الرابع من عقرها {صَيْحَةً واحدة} صاح بهم جبريل عليه السلام {فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} والهشيم الشجر اليابس المتهشم المتكسر، والمحتظر الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به ييبس بطول الزمان وتتوطؤه البهائم فيتحطم ويتهشم، وقرأ الحسن بفتح الظاء وهو موضع الاحتظار أي الحظيرة {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ} يعني على قوم لوط {حاصبا} ريحًا تحصبهم بالحجارة أي ترميهم {إِلا ءالَ لُوطٍ} ابنتيه ومن آمن معه {نجيناهم بِسَحَرٍ} من الأسحار ولذا صرفه ويقال: لقيته بسحر إذا لقيته في سحر يومه.
وقيل: هما سحران: فالسحر الأعلى قبل انصداع الفجر، والآخر عند انصداعه {نِعْمَةً} مفعول له أي إنعامًا {مّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ} نعمة الله بإيمانه وطاعته {وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ} لوط عليه السلام {بَطْشَتَنَا} أخذتنا بالعذاب {فَتَمَارَوْاْ بالنذر} فكذبوا بالنذر متشاكين {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} طلبوا الفاحشة من أضيافه {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} أعميناهم.
وقيل: مسحناها وجلناها كسائر الوجه لا يرى لها شق.
رُوي أنهم لما عالجوا باب لوط عليه السلام ليدخلوا قالت الملائكة: خلهم يدخلوا إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فصفقهم جبريل عليه السلام بجناحه صفقة فتركهم يترددون ولا يهتدون إلى الباب حتى أخرجهم لوط {فَذُوقُواْ} فقلت لهم ذوقوا على ألسنة الملائكة {عَذَابِى وَنُذُرِ وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً} أول النهار {عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} ثابت قد استقر عليهم إلى أن يفضي بهم إلى عذاب الآخرة.
وفائدة تكرير {فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادكارًا واتعاظًا، وأن يستأنفوا تنبهًا واستيقاظًا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه، وهذا حكم التكرير في قوله: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} [الرحمن: 13] عند كل نعمة عدها، وقوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} [المرسلات: 25] عند كل آية أوردها، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب مصورة للأذهان مذكورة غير منسية في كل أوان.
{وَلَقَدْ جَاء ءالَ فِرْعَوْنَ النذر} موسى وهرون وغيرهما من الأنبياء أو هو جمع نذير وهو الإنذار {كَذَّبُواْ بآياتنا كُلَّهَا} بالآيات التسع {فأخذناهم أَخْذَ عِزِيزٍ} لا يغالب {مُّقْتَدِرٍ} لا يعجزه شيء {أكفاركم} يا أهل مكة {خَيْرٌ مّنْ أُوْلَئِكُمْ} الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون أي أهم خير قوة وآلة ومكانة في الدنيا أو أقل كفرًا وعنادًا يعني أن كفاركم مثل أولئك بل شر منهم {أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ في الزبر} أم أنزلت عليكم يا أهل مكة براءة في الكتب المتقدمة أن من كفر منكم وكذب الرسل كان آمنًا من عذاب الله فأمنتم بتلك البراءة؟ {أَمْ يَقولونَ نَحْنُ جَمِيعٌ} جماعة أمرنا مجتمع {مُّنتَصِرٌ} ممتنع لا نرام ولا نضام {سَيُهْزَمُ الجمع} جمع أهل مكة {وَيُوَلُّونَ الدبر} أي الأدبار كما قال:
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

أي ينصرفون منهزمين يعني يوم بدر وهذه من علامات النبوة.
{بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ} موعد عذابهم بعد بدر {والساعة أدهى} أشد من موقف بدر والداهية الأمر المنكر الذي لا يهتدى لدوائه {وَأَمَرُّ} مذاقًا من عذاب الدنيا أو أشد من المرة.
{إِنَّ المجرمين في ضلال} عن الحق في الدنيا {وَسُعُرٍ} ونيران في الآخرة أو في هلاك ونيران {يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النار} يجرون فيها {على وُجُوهِهِمْ} ويقال لهم {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} كقولك (وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب) لأن النار إذا أصابتهم بحرها فكأنها تمسهم مسًا بذلك.
و {سَقَرَ} غير منصرف للتأنيث والتعريف لأنها علم لجهنم من سقرته النار إذا لوحته {إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ} كل منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر، وقرئ بالرفع شاذًا والنصب أولى لأنه لو رفع لأمكن أن يكون {خلقناه} في موضع الجبر وصفًا ل {شَىْء} ويكون الخبر {بِقَدَرٍ} وتقديره: إنا كل شيء مخلوق لنا كائن بقدر، ويحتمل أن يكون {خلقناه} هو الخبر وتقديره: إنا كل شيء مخلوق لنا بقدر، فلما تردد الأمر في الرفع عدل إلى النصب وتقديره.
إنا خلقنا كل شيء بقدر فيكون الخلق عامًا لكل شيء وهو المراد بالآية.
ولا يجوز في النصب أن يكون {خلقناه} صفة ل {شَىْء} لأنه تفسير الناصب والصفة لا تعمل في الموصوف.
والقدْر والقدَر التقدير أي بتقدير سابق أو خلقنا كل شيء مقدرًا محكمًا مرتبًا على حسب ما اقتضته الحكمة، أو مقدرًا مكتوبًا في اللوح معلومًا قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه.
قال أبو هريرة: جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت الآية، وكان عمر يحلف أنها نزلت في القدرية {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحدة} إلا كلمة واحدة أي وما أمرنا لشيء نريد تكوينه إلا أن نقول له كن فيكون {كَلَمْحٍ بالبصر} على قدر ما يلمح أحدكم ببصره.
وقيل: المراد بأمرنا القيامة كقوله: {وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر} [النحل: 77].
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أشياعكم} أشباهكم في الكفر من الأمم {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متعظ {وَكُلُّ شيء فَعَلُوهُ} أي أولئك الكفار أي وكل شيء مفعول لهم ثابت {فِى الزبر} في دواوين الحفظة ف {فَعَلُوهُ} في موضع جر نعت ل {شَىْء} و{فِى الزبر} خبر ل {كُلٌّ} {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الأعمال ومن كل ما هو كائن {مُّسْتَطَرٌ} مسطور في اللوح {إِنَّ المتقين في جنات وَنَهَرٍ} وأنهار اكتفى باسم الجنس وقيل: هو السعة والضياء ومنه النهار {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} في مكان مرضي {عِندَ مَلِيكٍ} عندية منزلة وكرامة لا مسافة ومماسة {مُّقْتَدِرٍ} قادر.
وفائدة التنكير فيهما أن يعلم أن لا شيء إلا هو تحت ملكه وقدرته وهو على كل شيء قدير. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة القمر:
{اقتربت الساعة} أي قربت القيامة، ومعنى قربها أنها بقي لها من الزمان شيء قليل بالنسبة إلى ما مضى، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى» {وانشق القمر} هذا إخبار بما جرى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك «أن قريشًا سألته آية فأراهم انشاق القمر. فقال صلى الله عليه وسلم: اشهدوا»، وقال ابن مسعود: انشق القمر فرأيته فرقتين فرقة وراء الجبل وأخرى دونه، وقيل: معنى انشق المقر أنه ينشق يوم القيامة، وهذا قول باطل تردّه الأحاديث الصحيحة الواردة بانشقاق القمر، وقد اتفقت الأمة على وقوع ذلك على تفسير الآية بذلك إلا من لا يعتبر قوله: {وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقولواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} هذه الضمائر لقريش والآية المشار إليها انشقاق القمر وعند ذلك قالت قريش: سحر محمد القمر ومعنى مستمر: دائم وقيل: معناه ذاهب يزول عن قريب وقيل: شديد وهو على هذا المعنى من المرة وهي القوة: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} أي كل شيء لابد له من غاية، فالحق يحق والباطل يبطل.
{وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الأنباء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} الأنباء هنا، يراد بها ما ورد في القرآن من القصص والبراهين والمواعظ، ومزدجر اسم مصدر بمعنى الازدجار أو اسم موضع بمعنى أنه مظنة أن يزدجر به.
{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} بدل من ما فيه أو خبر ابتداء مضمر {فَمَا تُغْنِ النذر} يحتمل أن تكون ما نافية أو استفهامية لمعنى الاستبعاد والإنكار.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أي أعرض عنهم لعلمك أن الإنذار لا ينفعهم.
{يَوْمَ يَدْعُ الداع إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ} العامل في يوم مضمر تقديره: اذكر أو قوله: {يَخْرُجُونَ} بعد ذلك، وليس العامل فيه {تَوَلَّ عَنْهُمْ} فيوقف عليه وقيل: المعنى {تَوَلَّ عَنْهُمْ} أي يوم يدع الداع والأول أظهر وأشهر. والداعي جبريل أو إسرافيل إذ ينفخ في الصور، والشيء النكر الشديد الفظيع. وأصله من الإنكار. أي: هو منكور لأنه لم ير قط مثله، والمراد به يوم القيامة {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} كناية عن الذلة وانتصب خشعًا على الحال من الضمير في {يَخْرُجُونَ} {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} أي من القبور {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} شبَّههم بالجراد في خروجهم من الأرض، فكأنه استدلال على البعث كالاستدلال بخروج النبات. وقيل: إنما شبههم بالجراد في كثرتهم، وأن بعضهم يموج في بعض.
{مُّهْطِعِينَ} أي مسرعين وقيل: ناظرين إلى الداع.
{فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} يعني نوحًا عليه السلام، ووصفه هنا بالعبودية تشريفًا له واختصاصًا {وازدجر} أي زجروه بالشتم والتخويف وقالوا له: {قالواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانوح لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} [الشعراء: 116].
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر} أي قد غلبني الكفار فانتصر لي أو انتصر لنفسك، {فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السماء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} عبارة عن كثرة المطر، فكأنه يخرج من أبواب، وقيل: فتحت في السماء أبواب يومئذ حقيقة، والمنهمر الكثير {فَالْتَقَى الماء} ماء السماء وماء الأرض {على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي قد قضى في الأزل، ويحتمل أن يكون المعنى أنه قدر بمقدار معلوم، ورُوي في ذلك أنه علا فوق الأرض أربعين ذراعًا {وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} يعني السفينة والدسر هي المسامير واحدها دسار، وقيل: هي مقادم السفينة، وقيل: أضلاعها والأول أشهر {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} عبارة عن حفظ الله ورعيه لها {جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} أي جاء لنوح: وقيل: جزاء لله تعالى والأول أظهر، وانتصب جزاء على أنه مفعول من أجله، والعامل فيه ما تقدم من فتح أبواب السماء وما بعده من الأفعال؛ أي جعلنا ذلك كله جزاء لنوح، ويحتمل أن يكون قوله: كفر من الكفر بالدين والتقدير لمن كفِر به فحذف الضمير، أو يكون من الكفر بالنعمة؛ لأن نوحًا عليه السلام نعمة من الله كفرها قومه، فلا يحتاج إلى هذا إلى الضمير المحذوف.